يعرب المجتمع عن قلقه الشديد من نحو الأطفال الفقراء والمحرومين والاحتمالات المتزايدة لافتقارهم إلى الرعاية الصحية والتعليم، أو احتمالية تعاطيهم المخدرات أو انتهاجهم الجريمة فيما يتقدمون في العمر. أما أطفال الآباء الأثرياء الذين لديهم مجموعة مشاكلهم الخاصة فلا يولونهم الاهتمام الكافي. غالبًا ما لا يلاحظ أحد الإهمال العاطفي الذي يعانيه هؤلاء الأطفال، وهكذا لا نجد أن أحدًا يذكرهم. قد يرجع ذلك إلى أسباب التحيز ضد الأثرياء أو المشاهير أو الميل إلى إلقاء اللوم على الآباء في شأن التدليل المفرط لأطفالهم أو توفير كل ما يطلبونه دون قيد أو شرط.
كثيرًا ما يدرك الآباء الأثرياء أن أطفالهم يعانون من مشاكل سلوكية أو مشاكل دراسية أو تحديات تخص علاقاتهم الاجتماعية، لكنهم قد يترددون في طلب المساعدة خوفًا من توبيخ المحيطين لهم، أو قد يشعرون بالخزي أو الذنب بسبب ثروتهم. ومثلهم في ذلك مثل أي أب أو أم، فالآباء الأثرياء يحبون أطفالهم ويعتنون بهم، على أنه عندما تنشأ المشاكل، فإن برامج الأسرة أو خدمات المشورة نادرًا ما تُقدَّم لهم.
صحيح أن الأطفال الأثرياء قد يمتلكون كل ما يطلبونه أو حتى يحلمون به بسبب ثراء والديهم، لكنهم في نفس الوقت قد يعانون جوعًا وجدانيًا عميقًا بسبب افتقارهم للحب والتشجيع من والديهم. قد يختبر الأطفال الإهمال حين يكون والداهما مشغولَين بدرجة معها لا يقضيان الوقت مع أطفالهما، أو بسبب تعيين مربيات أو إرسال أبنائهم إلى مدارس داخلية بسبب انشغالهما بالسفر للعمل أو الترفيه. يُكافأ التحصيل الأكاديمي أو السلوك الجيد بهدايا ثمينة، لكن الإفراط في الرفاهية والتدليل في وقت مبكر من الحياة قد يؤدي إلى غياب الحدود ويولِّد شعورًا بالاستحقاق لدى الأطفال، بل قد يزرع بذور النرجسية في نفوسهم الغضة.
ضاعفت ثقافة المشاهير اليوم من خطورة الوضع، حيث يُنظر إلى الثروة والسلطة والشهرة على أنها أهداف جديرة بالتضحية لأجلها.
فقدان قدرة التعامل مع الفشل- يميل الأطفال الذين ينشأون في أسر لا تضع لهم الحدود إلى ضعف السيطرة على انفعالاتهم ما يؤدي إلى سهولة شعورهم بالإحباط والغضب إذا واجهوا فشلًا، وغالبًا ما يستسلم الآباء لمطالبهم لتجنب نوبات الغضب العارمة. يلازم هذا السلوك الاندفاعي وفقدان المرونة أمام اختبار الفشل أطفال الأسر الثرية حتى حين يكبرون.
الشعور بالاستحقاق- ينشأ لدى الطفل الذي يتعلم أن السلوك السيء يُكافأ إيجابيًا إحساس بالاستحقاق يصاحبه عدم اكتراث باحتياجات الآخرين أو حقوقهم. يستمر الشعور بالاستحقاق مع تقدُّم الشخص في العمر، وغالبًا ما يتجلى في استخدام لغة مهينة قد تكون عنصرية أو متحيزة جنسياً.
غياب الشعور بالذنب- الشعور بالذنب ليس دائما عاطفة سلبية. إنه بمثابة رد فعل داخلي قوي ينبهنا أننا ارتكبنا خطًأ ما. لكن الشعور الصحي بالذنب ينشأ فقط في سياق العلاقات الوثيقة. مرحلة الطفولة التي تغيب عنها العلاقات الدافئة حيث تُلبَّى جميع رغبات الطفل ينتج عنها رجالًا ونساءً يفتقرون إلى الشعور بالذنب الملائم كما إلى الإحساس بالعدالة الأخلاقية.
نقص مهارات التأقلم- يتعلم الأطفال التكيُّف مع المواقف المؤلمة والمشكلات صعبة الحل من خلال الحديث عنها مع أحد الوالدين الذي يستمع بإنصات ويقدم التوجيه. وهكذا فالطفل الذي لا يتعلم طرقًا صحية للتأقلُم مع الصعوبات يرى أن صعوبات الحياة غير قابلة للحل ويشعر بالعجز أمامها.
الملل- نادرًا ما يُقدّر الأطفال أهمية القواعد واتباع الروتين ويجدون الأمر مزعجَا ومملًا. لكن القواعد والتعليمات الروتينية تؤسس لهيكل وتغرس في الطفل مَلَكات ضبط النفس. وجود نظام وامتلاك القدرة على ضبط النفس لازمان لمواجهة تحديات الحياة اليومية فيما يكبر الأطفال. أولئك الذين يكبرون بدون نظام يصبحون بالغين يهددهم أي عائق يقف في طريقهم. غالبًا ما تحتل الممتلكات المادية وشعور البحث عن الإثارة مكان العلاقات والقُرب العاطفي. السلوك الإدماني شائع في الرجال والنساء الذين يكبرون في بيئات كهذه.
غياب الهدف- عندما يكبر الأطفال دون تحمُّل أي مسؤوليات، يصبحون بالغين لا هدف لديهم ولا حتى إحساس بالإنجاز. يميل هؤلاء أن يعانوا خواءً وجدانيًا، وقد يؤدي توترهم الداخلي إلى عدوان لفظي أو جسدي تجاه الآخرين.
إلقاء اللوم على الآخرين- غالبًا ما يعتمد الشباب على ثروة الأسرة أو الصناديق الاتئمانية، لكن في الوقت نفسه، يسارعون إلى إلقاء اللوم على الآباء والأشخاص الآخرين فيما يخص مشكلات حياتهم. وكثيرًا ما يقبل الآباء اللوم لأنهم يصارعون بالفعل مع الشعور بالذنب أو الفشل.
ضعف مهارات التخطيط- من الشائع أن يتخيل الأطفال الذين يكبرون بإحساس بالاستحقاق إما مستقبلًا من الأحلام والرغبات العظيمة غير الواقعية، أو يصبحون رجالًا ونساءً خائفين من مواجهة التحديات ومتشككين لدرجة أنهم يخوضون حياتهم بدون قيود. قد ينجرف الشباب الأثرياء دون مكابح أو يقعون ضحية للعبادات المنحرفة أو أشكال أخرى من الاستغلال، بينما قد يتبنى آخرون نظرة زائفة للواقع، مما قد يؤدي إلى سلوكيات غير مقبولة.
قلة الشعور بالتعاطف- غالبًا ما يعاني الرجال والنساء الذين نشأوا في أسر ثرية من عدم النضوج الوجداني وقد يجدون صعوبة في التقاط الإشارات الاجتماعية والاستجابة لمشاعر الآخرين واحتياجاتهم. ونتيجة لذلك قد يواجهون صعوبة كبيرة في الاندماج في المجموعات الاجتماعية، ما قد يؤدي إلى تعميق شعورهم بالعزلة والوحدة. تميل الروابط الاجتماعية التي تنشأ في مرحلة الطفولة إلى كونها سطحية ونادرًا ما تبقى مع هؤلاء الأطفال حين يكبرون.
مشكلات في تحمُّل ضغط الأقران- الأطفال الذين نشأوا محاطين بالثروة والامتيازات يصبحون غالبًا شبابًا ذوي شخصيات ضعيفة يغلب عليها الغطرسة. وهكذا قد يعتريهم الشك عندما يحاولون التصدي لضغط الأقران أو إغراء الممتلكات المادية.
صعوبات المنافسة- غالباً ما يواجه أطفال العائلات الثرية صعوبة في التعاون مع الآخرين، ما يجعل المنافسة إما معركة يجب كسبها أو مشكلة يجب تجنبها لتجنب القلق والشعور بعدم الأمان.
الوقاية من شعور الأطفال الأثرياء بالإهمال وعلاجه- يجب على الآباء والأطفال إدراك أهمية وضع حدود ورفض الطلبات أحيانًا، وتبني القناعة بأن الصعوبات جزء لا يتجزأ من الحياة حتى بالنسبة لأصحاب الثروات الضخمة. إن القدرة على التعبير عن المشاعر، بما في ذلك الحب، أمر بالغ الأهمية.
طلب المساعدة- إذا قرر الآباء والأبناء الأثرياء تلقي المساعدة فسيجدوا العون من طبيب نفسي مؤهَّل وذي خبرة. بإمكان أطبائنا تقييم الوضع واستبعاد المرض العقلي أو تعاطي المخدرات أو اضطرابات مثل اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه كأسباب للعلة. كما يمكن للطبيب النفسي أيضًا تحديد أي مشكلات اكتئاب أو قلق أو أي مشكلة جذرية أخرى. يساعد العلاج الأسري الوالدين على التعامل مع الشعور بالذنب والخزي وكسر حلقة إهمال الأسر الثرية.
الطريق إلى السعادة: تساعد خدمات المشورة العائلات الثرية على إدراك أن السعادة الحقيقية لا تأتي من النجاح أو الثروة المادية، ولكن من الشعور الإنجاز ووجود هدف للحياة. تشمل أدوات تحديد هدف الإنسان في الحياة العمل الخيري، ومساعي ريادة الأعمال، والمشاركة في الأنشطة التي تعزز تغييرًا اجتماعيًا إيجابيًا أو تبني الإنسان لدور المَثَل الأعلى الذي يحتذي به الآخرون. |